لماذا يحب الرجال الحروب! أحاديث على هامش اليوم العالمي للسلام.

كتاب الأمير لمكيافيللي على مقهى العلا، مطروح 2014


 أنا أعترف بخطيئتي، أنا أحب الحروب مثلي مثل بقية الرجال في العالم، نأخذ كل شيء على أنها حرب، كسب لقمة العيش حرب، والحصول على قلب الحبيبة حرب، والفوز في الألعاب حرب، حتى لو كانت مباراة كرة قدم ودية تافهة، فنحن نأكل أرض الملعب حتى نفوز، نعصر أذهاننا لننتصر في حرب الدومينو، ونرفع أصواتنا عاليًا لننتصر في معركة الصوت العالي إذا خسرنا.

تقودنا رغبتنا في الفوز إلى قراءة كتب عن الاستراتيجيات التي تُطبق في الحروب، ومشاهدة الأفلام التي يكون فيها مستوى عالي من التخطيط، ونتعلم من أناس لا يجب أن نتعلم منهم، وكنت أنا أقرأ كتب مثل الأمير لمكيافيللي، صاحب مقولة الغاية تبرر الوسيلة، وفن الحرب ل سون تزو، الذي يقال أنه مجموعة من استراتيجي الحروب وقادتها في الصين، ومن المستحيل أن يكون كاتبًا واحدًا قد أبدع هذا الكتاب.

زادتني هذه الكتب وتجربتي في الحياة عنفًا وضراوة، وكنت متأهبًا للرد في أي لحظة، وفي أي وقت، وكل شيء يتحول في حياتي إلى قتال، حينما أردت أن أتدرب على رياضة قتالية لأحول حياتي من قتالات مملة إلى قتالات فيها تكسير عظام اصطدمت بحاجز الأمان.

كان اختيارًا موفقًا عندما اخترت رياضة الكاراتيه، توقعت أن أتعلم بعض الحركات لأستفيد منها في الدفاع عن نفسي، ولكن ماتعلمته في الدوجو أن الرياضة معنية أكثر بضبط النفس، وعدم اللجوء للعنف كخيار أول، وكان هذا صعبًا على فتى مثلي يمسك بحجر في يده كلما نظر له أحد ما نظرة لم تعجبه، لم أكن لوحدي طبعًا، كلنا كنا كذلك.

على مر السنين شاهدت أفلام الحروب، وأفلام الحركة والقتال، وأفلام السرعة والغضب، وتأثرت بالموجة التي تطلب من الإنسان أن يقاتل لكي يفوز، وكنت أعتقد أن الرجال يكرهون الحروب، ولكن جاء أمامي كتاب العالم كما أراه للفيلسوف برتراند راسل، ومدون فيه حوار بينه وبين سائل متخصص، يسأله إذا كان العالم يكره الحروب، وكانت لديه وجهة نظر قاتلة.


كتاب العالم كما أراه بصيغة ملف صوتي على يوتيوب

يظن الفيلسوف والمفكر برتراند راسل أن العالم يعشق الحروب، شريطة أن تكون بعيدة عنه، وسيتابعها بمنتهى الشغف، وكان محقًا، تكرر هذا في عدة أفلام، الفيلم الأشهر "Apocalypse Now" أو في فيلم "رامبو، الدم الأخير" حيث كنا نصفق مع كل سهم يطلقه سلفاستر ستالون، أو في فيلم أسد الصحراء، حيث كنا نطير من الحماس بينما عمر المختار ورفاقه على صهوات الجياد يُسقطون العربات الإيطالية ويضرمون النار فيها.


تأكدت تمامًا من هذه الفكرة عند موت الملكة إليزابيت الثانية، وماجرى من عرض إنجازاتها في الحروب، وحزنت للغاية حينما قرأت عن السنوات التي قضاها أهلنا في سيدي براني مطحونين بين قتال القوات الإيطالية و الإنجليزية على سيدي براني وبقبق والسلوم، الحرب بلاء، والسلام هو الحل.


هذه الجملة "الحرب بلاء، والسلام هو الحل" لوحدها تجعلك تود لو تحمل سلاحًا وتذهب إلى الحرب، لأنه من كثرة التشدق بها أصبحت كليشيه، ويزيد ويغطي أن أسياد الحروب أنفسهم يتشدقون بها، يقتلون الناس ثم يقولون الحرب بلاء والسلام هو الحل، ولذا فكرة أن يقتنع إنسان ما أن السلام هو  الحل تصبح شبه مستحيلة مع كل هذه العوامل.


مؤخرًا تشرفت بدعوة من خليل المصري لحضور احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للسلام، وسنحت لي الفرصة للحديث معه عن رحلة السلام التي طاف بها في محافظات مصر لنشر الوعي بثقافة السلام وكانت محافظة مطروح إحدى محطاته، سعدت برؤيتي لمحاولات جادة لصنع السلام من قبل أفراد ومجموعات ومنظمات محلية ودولية وأستطيع أن أقول الآن على لسان شخصية حكاء البشرية وراويها الأول في فيلم "أجنحة الرغبة": من السهل أن تغني ملحمة الحرب، ولكن من الصعب أن تغني ملحمة السلام.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كارثة قادمة؟ تحلى ببعض الأمل