كارثة قادمة؟ تحلى ببعض الأمل




لم أكن أعتقد أنه سيأتي علي يوم وأشاهد عاصفة تتجه نحوي دون أن أكون قادرًا على فعل شيء تجاهها! ففي ذلك اليوم في شهر سبتمبر 2023 شاهدت في بث مباشر كيف تتحرك العاصفة دانيال التي دمرت اليونان وليبيا نحو السواحل المصرية الشمالية حيث أقطن.

كنت قد انتهيت من عمل مشروع لأحد عملائي، وأخذت استراحة قصيرة لشرب فنجان قهوة، فتحت هاتفي وقابلني سيل من الأخبار الصادمة، تطوع بعض الأشخاص الذين أتابعهم بنشرها في الستوريز الخاصة بهم، وكانت عن الدمار الذي خلفته العاصفة في ليبيا، رأيت مقاطع مؤثرة للمدن قبل وبعد، رأيت سدودًا مدمرة، ومنازل مهدمة، وسيارات محطمة، وأشخاص يصرخون ويبكون على فراق أهلهم وأحبائهم.

شعرت بالحزن وصرت أتسائل عن مصير هؤلاء الناس: هل ستكتب لهم النجاة من هذه الكارثة؟ أين سيبيتون؟ وماذا سيحدث في أعمالهم وحياتهم؟ وهل سيكون هناك أمل في إعادة بناء ما تم تدميره بالفعل؟

في تلك اللحظة تمامًا تبدلت الستوريز وأصبحت أشاهد صورًا وفيديوهات لأشخاص آخرين يستمتعون بوقتهم في أماكن مختلفة. رأيت شخصًا يصطاد في البحر، وآخر يقفز في حمام سباحة، وثالثة تعرض طلاء أظافرها الجديد! شعرت بالاستهزاء، وقلت في نفسي: كيف يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يكونوا مبتهجين وسعداء في ظل هذه المصائب التي تحدث حولهم؟ ألا يرون ما يحدث في العالم؟ أليس لديهم أدنى فكرة عما هو قادم إلينا؟

"عندما يموت أحد أفراد الأسرة، فإن مظاهر الحداد لابد أن تشمل غلق التلفزيون لفترات تتوقف على مدى حب الأسرة للفقيد! هكذا قد يغلق التلفزيون لشهور أو لسنوات أو ربما للأبد. لا تسأل عن شعور الطفل الصغير الذي لا يعرف علاقة حرمانه من سبيس توون بوفاة ابن عم خالة أمه!..لابد أن هذا يشعره بحقد شديد على الفقيد، فلو قابله لقتله مرة أخرى" ـــــــــــ أحمد خالد توفيق


وبينما كنت أفكر بهذه الأسئلة، تذكرت مشهدًا من فيلم “Don’t Look Up”، الذي شاهدته منذ فترة. كان المشهد عبارة عن اجتماع بين عالمان فلكيان ورئيسة الولايات المتحدة ومستشاريها حول خطر سقوط نيزك على الأرض.

كان العالمان يحاولان إقناع المسؤولين بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ البشرية، لكن المسؤولين كانوا مشغولين بأمور ثانوية مثل الانتخابات و الإعلام و المال و المظهر. وفي مشهد عبثي يقول العالم الذي يمثل دوره ليوناردو دي كابريو: “ولماذا سيهم إذا كنا جميعًا سنموت بأية حال!”

كنت أقول نفس الشيء: “ولماذا سيهم إذا كنا جميعًا سنموت بأية حال!”، ولكن بعد تفكير أعمق، أدركت أنني قد سارعت في الحكم على الأشخاص الذين شاهدت صورهم وفيديوهاتهم. رغم أن هذا ليس تصرفًا حكيمًا، فأنا لست في موقع يسمح لي بالحكم على حالتهم أو مشاعرهم أو ظروفهم!

ربما كان هؤلاء الأشخاص يحاولون التغلب على الضغوط والمشاكل التي يواجهونها في حياتهم، ويبحثون عن وقت مستقطع لأنفسهم.

ربما كانوا يعرفون عن الكوارث التي تحدث في العالم، ولكنهم اختاروا أن يركزوا على الجانب المشرق من الحياة، والتقليل من مشاركة جرعة الأخبار السلبية.

ربما كانوا يشاركون صورهم وفيديوهاتهم ليس للتباهي أو من باب التسلية فقط، بل ليشجعوا أنفسهم وغيرهم على التقليل من جرعة السلبية التي تنشرها الأخبار والاحتفاظ بنظرة متفائلة وإيجابية.

جعلتني هذه التجربة البسيطة أنتبه لتأثير متابعة صور وفيديوهات عن الموت والدمار على حالتي النفسية. كانت متابعتي لأخبار الموت والدمار قد أثرت سلبًا عليّ، وجعلتني أشعر بالخوف والحزن. كما جعلتني أفقد قدرة التعاطف مع الآخرين، وأحكم عليهم بسرعة دون أن أفهم ظروفهم. لذلك قررت أن أكتب هذه المقال وأقول لك، تحلى ببعض الأمل رجاءً.

صحيح أن هذه الأحداث الكارثية تجعلنا نشعر بالخوف والحزن، ولكنها على الجانب الآخر تمدنا بالقوة وتجعلنا نقدر قيمة الحياة التي نعيشها والأشخاص الذي نعيش معهم، تمنحنا الفرصة لإعادة تقييم حياتنا وأولوياتنا. والتفكير في ما هو مهم بالنسبة لنا، وما هو جديرٌ حقًا بالاهتمام.

هذه الفرصة تدفعنا للتواصل أكثر مع أنفسنا ومع من نحب، وتجعلنا نظهر تعاطفنا ودعمنا لمن يحتاجون إليه، وتجعلنا أكثر شاعرية تجاه الأشياء البسيطة في الحياة، مثل رؤية شمس يوم جديد، أو سماع ضحكة طفل، أو تذوق طعام لذيذ.


طعام لذيذ Imgur

يجب علينا أن نتحلى ببعض الأمل لكي نستطيع إعادة بناء العالم، وأن لانسمح للإحباط بأن يتغلغل في نفوسنا ويحول بيننا وبين إظهار تعاطفنا، ودعمنا، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

هذه الكلمات ليست كليشيه، ولم تأتي من فراغ. خالص العزاء لأسر الضحايا والمفقودين، وأدعوا الله أن يرزقهم الصبر والسلوان، وأتمنى أن تستفيد البشرية من هذه التجارب الصعبة وأن لا تسمح بتكرارها مجددًا.

صورة الرأس: طفلان يشاهدان إعصار، مولدة بالذكاء الاصطناعي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا يحب الرجال الحروب! أحاديث على هامش اليوم العالمي للسلام.