كيف نتعامل مع الرفض؟ تساؤلات حول الوظيفة والمسار المهني وتعدد الاهتمامات
أنا إنسان شارد الفكر، أحياناً أغيب عن الواقع وأسافر راكبًا حصان خيالي، أحياناً أتذكر الماضي بحلوه ومره، وأحياناً أخطط للمستقبل، بأمل وخوف.
هذا الشرود قد يكون بسبب أنني عالق في كتابة نص مثل هذا، أو أنني أحتاج إلى معالجة بعض الأشياء قبل القيام من السرير، وأحيانًا أشرد لأنني أفكر في حل لغز لم أتمكن من حله في لعبة الشطرنج!
في رحلة عمل مؤخراً، كنت شارداً كالعادة، وأبتسم ببلاهة ولم يكن لدي أي شيء من الأشياء السابق ذكرها لأفكر فيه. ولكنني كنت قد تلقيت خبرين مهمين في نفس الوقت:
1- تم استلام روايتي التي كتبتها على مدى ثلاث سنوات في مسابقة روائية مرموقة (مسابقة خيري شلبي للعمل الروائي الأول 2023)
2- تم قبول فيلمي الوثائقي القصير في مهرجان الجزيرة للفيلم الوثائقي القصير.
كانت روايتي قد وصلت العام الفائت إلى القائمة الطويلة وكنت سعيدًا جدًا بهذا الإنجاز، وكان هذا العام هو الفرصة الأخيرة بالنسبة لي للدخول في مسابقة الجزيرة الوثائقية للأفلام القصيرة، وكنت شاردًا أفكر: ماذا لو فزت بالجائزتين؟ هل أصبح كاتباً محترفاً؟ أم صانع أفلام متمرد؟ أم أجمع بين الاثنين؟
عندما يكون لديك وظيفة معروفة مثل أنك طبيب، أو مهندس، أو راعي غنم، وأنت جيد في القيام بها فعندها يكون الأمر سهلًا! ستقول أنك راعي غنم، أو تدعّي أنك دكتور في الجامعة مثل شخصية مراجع في شط الحرية ولن يعرف عنك أحد أي شيء!
أما أن يكون لديك وظيفة مثل كاتب، أو مصمم جرافيك، أو صانع أفلام مستقل، وأنت لست جيدًا في أيًا منها، ناهيك عن الثلاثة معًا، فعندها يكون الأمر صعبًا!
وهذا يعقد الأمور! أجد نفسي أتساءل:
هل أكون جيدًا في وظيفتي وأضحي بوقتي مع أصدقائي مثلما فعل "كولم" مع أعز أصدقائه "باري" في فيلم "ذا بانشيز أوف انشيرين" عندما قطع علاقته بصديقه "باري" فجأةً وبدون سابق إنذار، وبلا مسوّغ عدا "أنه لم يعد يحبه" و "لم يعد يرغب في الحديث إليه".
مع المحاولات المستمرة نعرف أن الأول سئم من الثرثرة الفارغة، ومن احتمالية موته ببساطة قبل إنجاز أي شيء بينما يصغي إلى صديقه الممل الذي تحدث لساعتين عن أشياء وجدها في روث حصانه لدرجة استعداده لقطع أصابعه إذا حاول صديقه الحديث إليه.
أم أكون مثل "باري" الصديق الآخر الذي يؤمن بأهمية اللطف وأنه أن تكون لطيفًا يعني أن تكون خالدًا وأقضي وقتي في الحديث إلى أصدقائي وأختلف معهم في الرأي وأجادلهم لساعات طويلة ثم أعود لحياتي وشرودي!
هل أكون لطيفًا أم أكون محترفًا؟
هل ينبغي علي أن أستمع لكل هؤلاء الناس -الذين لا أتفق معهم- وأتوقف ببساطة عن الأشياء التي أستمتع بها والتركيز على الدور الذي سيفلح؟ ماذا سيحدث إن توقفت عن صناعة الأفلام ثم تبين أنني اتخذت القرار الخاطيء! وأنني انسحبت قبل خط النهاية مباشرة! (هناك صوت في رأسي الآن يخبرني لاتكن أحمقًا لن تحصل على أي شيء إذا لم تتخلى عن أشياء في المقابل)
الأمر ليس سهلاً بالنسبة لي، فأنا لست خبيراً في أي من هذه المجالات، ولا أعرف إذا كان علي التخصص في واحد منها أو الاستمرار في تجربة الجديد والمثير والممتع. كثير من الناس يعرفون ما يريدون من حياتهم، ويسعون لتحقيقه بكل جد وإصرار.
أما أنا فأشعر بالحيرة والضغط، فأنا لست مستعداً للتخلي عن شغفي بالكتابة أو السينما أو التصميم.
ولكن سؤال المليون دولار هو: هل يمكنني أن أجد التوازن بينهم جميعاً؟
في هذه الأثناء يأتي دور الإشارات التي ترشدنا إلى الطريق! وقفت روايتي للمرة الثانية على عتبة القائمة القصيرة للجائزة الروائية، وسقط فيلمي من قائمة الترشيحات. شعرت بخيبة أمل كبيرة، وانقبض قلبي للحظة، ولكن لحسن الحظ عاد إلى نبضه المعتاد.
قرأت في كتاب ما أنه لاشيء يحطم الكاتب مثل الرفض، ينبغي للكاتب أن يضع أجوبة الرفض في سترته ويعلقها على الحائط حتى يقوم باجترار هذه المشاعر السلبية لمساعدته في الكتابة،
لحسن الحظ أيضًا أنني تعلمت أن الرفض أو قول كلمة "لا" لاتعني "لا أنت نصاب" أو "لا أنت أحمق" أو "لا أنا لا أصدقك" أو "لا أنت لست مستعدًا" أو "لا أنت لست جيدًا كما تظن".. هذه الأفكار تعزز الخوف من الرفض وتمنعنا من المضي قدمًا في الحياة، أو الأسوء؛ محاولة إثبات أنك لست نصاب أو أحمق أو كاذب أو أنك مستعد بما فيه الكفاية وجاهز لتحمل المسؤولية!
قول كلمة "لا" قد يعني "لا كنت مشتتًا ولم أستطع التركيز فيما تقوله أو ماتكتبه".
أو "لا أنا لم أكن أستمع إلى أي شيء مما تقوله".
أو "لا لقد قررت توفير بعض المال، لأن هذا مايريده رئيسي في العمل".
أو "لا لقد اسأت فهم ماقلته لي".
أو "لا لم تعرض فكرتك بشكل جيد، أنا أحبك، وأحب عائلتك، والمكان الذي جئت منه، ولكنني لا أحب فكرتك لهذه الدرجة"
أعترف أن قلبي ينقبض بشدة عند قراءة لأجوبة الرفض المنمقة، وأشهق عند رؤية اسمي يسقط من القوائم، كأنني لم أتوقع أن يحدث! ولكن الحياة تمضي. عائلتي وأصدقائي يخبرونني بأن لا أبالغ في التفكير وأن أسترخي قليلًا وأقوم بما يجب علي فعله، وأنا أصدقهم. شعاري في الحياة أنه لا شيء أفضل من البقاء على قيد الحياة. يقول الشاعر العربي:
لاتلقَ دهرك إلا غير مُكترثٍ***مادام يصحب فيه روحك البدنُ
أقول في نفسي أنه طالما كان المرء حيًا يتنفس فسيكون لديه فرص أكثر لتحقيق مايريد.
وهذا ماحدث بالفعل، مفاجأة غير متوقعة حدثت!
فيلم آخر قد قدَّمْتُهُ في مسابقة محلية، دون أن أضع فيه أي آمال، تأهل للتصفيات النهائية.
وكان تقديم هذا الفيلم مجرد خدمة قمت بها لصديق يشق طريقه في عالم صناعة الأفلام، ولم يكن هناك عدد كافٍ من الأفلام للمشاركة. لم أعرف كيف أخبره بأن فيلمنا الذي قمنا بصناعته سويًا قد فشل، وأن الأفلام التي قدمناها كمالة عدد حصلت على فرصة للمنافسة. لكنه كان ناضجًا بما فيه الكفاية وتقبل الخبر بحكمة وصبر.
ليس في هذه المسابقات ولا في نتائجها مقياس للموهبة أو دليل على الصبر، ولكن الرفض معلم قاسي يجبر الإنسان على النظر في ذاته والتساؤل: هل أنا أعبر عن ما في قلبي وعقلي وأسعى لتحقيق أحلامي؟ أم أنا أريد أن أندمج "I want to fit in" كما تقول شخصية باتريك بيتمان في فيلم "اميريكان سايكو".
في الحالتين سيجد الإنسان راحة مع إجابته.
في رحلة العمل، كان الجميع مرهقاً ومنهكاً ولم يلاحظ أحد الابتسامة العريضة التي ارتسمت على وجهي، الابتسامة التي تقول أن المأساة مازالت مستمرة، وأنني سأكون عالقًا في منطقة عدم الراحة هذه لوقت أطول.
لن يكون الأشخاص الجدد الذين سأتعرف عليهم مرتاحين مع هذه الحقيقة،
وأنا سعيد لأنني لن أكون مهتمًا.

تعليقات
إرسال تعليق